أيزنهاور وصناع مثلث الموت العسكري.. دراسة

أيزنهاور

المراقب : وحدة الدراسات

في أوائل يناير كانون الثاني، وقبل أن يغادر البيت الأبيض بأيام قليلة، ألقى الرئيس دوايت أيزنهاور خطاب الوداع ، والذي وجه فيه تحذيرا شديد اللهجة للشعب الأميركي ، مما أعتبره أحد أخطر التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية، وهو المجمع الصناعي العسكري الأميركي ، والذي أعتبره أيزنهاور ، كفيل بالقضاء على الديمقراطية في داخل الجمهورية الأميركية .
مما يتكون هذا المجمع ؟
المؤكد أنه يتركب من ثلاثة أطراف ، متداخلة خطوطها ، ومتشابكة خيوطها، الطرف الأول هو أصحاب مصانع السلاح، لا سيما الصناعات الحربية الثقيلة من طائرات وصورايخ، غواصات وفرقاطات ومدمرات، ناهيك عن حاملات الطائرات ، ووصولا إلى الأسلحة المتوسطة، ثم الخفيفة ، ومن غير أن نهمل أسلحة الدمار الشامل، نووية كانت أو بيولوجية وكيميائية .
هولاء تقوم تجارتهم على جريان وسريان الحروب حول العالم ، وبصورة لا تنقطع .
الطرف الثاني، هم رجالات السياسة من أعضاء الكونجرس بمجلسيه الشيوخ الغرفة الأعلى، والنواب الغرفة الأدنى، وهولاء في واقع الحال هم من يشرعون الطريق إلى الحروب ، وطريقهم للكونجرس يمر عبر التبرعات السخية والكبيرة التي يقدمها أصحاب الصناعات العسكرية، سواء لدعم حملاتهم الإنتخابية، أو لإقامة المشروعات الخاصة بمواطنيهم ، وعادة ما يكونوا مطية لصناع السلاح والشركات الكبرى ، عند إتخاذ قرارات الحرب، بل الدفع في طريقها ، والإتجاه إلى أهدافهم التي لا يوارونها ولا يدارونها .
فيما الطرف الثالث ، فيتمثل في جنرالات القوات المسلحة الأميركية بكافة أفرعها، وهولاء لهم أدوار مزدوجة ، فبداية الأمر هم من يقودون الحروب على الأرض وفي الساحات البعيدة عن الوطن، كما كان الحال في أفغانستان العراق بنوع خاص ، ومن قبل في فيتنام والحرب الكورية ، وغيرها من الحروب الأميركية .
هولاء الجنرالات لا تنقطع صلتهم بعالم مصانع السلاح الأميركية وهم في الخدمة، حيث لهم القدر ة على التوصية على أسلحة بعينها، والثناء على أسلحة أخرى.
لاحقا وحين نهاية خدمتهم، يتحولهولاء الجنرالات إلى مستشارين لشركات السلاح الأميركية، أو بالأحرى إلى مندوبين بيع ودعاية وتوزيع حول العالم ، ويتعاطون مع تجاة مليارية تدر عليهم ذهب وفضة وليس بنكنوت فحسب .
تشير الإحصاءات إلى أنه منذ الحرب العالمية الثانية ، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية أكبر مصدر للاسلحة في العالم ، وتمثل صادراتها من الأسلحة أكثر من ثلث إجمالي صادرات الأسلحة في العالم . وفقا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ، في الفترة من 2017 إلى 2021 ، أنخفض حجم تجارة الأسلحة العالمية بنسبة 4.6% مقارنة بالسنوات الخمس السابقة ،لكن المبيعات العسكرية الخارجية للولايات المتحدة ارتفعت بنسبة 14% خلال نفس الفترة ، وأرتفعت حصتها العالمية من 32 % إلى 39% .
مؤخرا نشر موقع Scheerpost الأميركي ، تقريرا عن صناع الحروب الأميركيينن جاء فيه أن ” كل حرب خاضتها الولايات المتحدة منذ كوريا ، بما في ذلك الحرب بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا، كانت بمثابة ثروة من الثراء العسكري ، وتقول زوجة أحد العاملين في هذا المجمع ، أنها تفضل الحرب وإلا كيف ستعيش أسرتها “.
هل يدفعنا حال المجمع الصناعي بأطرافه الثلاثة السابق الإشارة إليها ، إلى التوقف أمام النظام البنكي حول العالم ، أوروبيا وأميركيا ، وإلى الإنفاق الحربي وصناعة الحروب ، كركيزة أساسية بل ومحورية في الخيمات الإقتصادية العالمية ؟
تبدو العلاقة بين صناع الحروب وبين أصحاب الأموال ، علاقة قديمة، أقدم من زمن نشوء وارتقاء البنوك والأنظمة البنكية العالمية، كما نراها ونعرفها في شكلها الحاضر .
يتذكر المرء كيف كانت كبريات الأسر المالية الأوربية، مثل روتشيلد تحديدا ، تقوم بإقراض الحكومات في حال عوزها إبان الحروب، ومن ثم بدت العلاقة بين الجانبين وكأنها قراءة في المعكوس، بمعنى أن أصحاب الأموال هولاء ، وجدوا في الحروب فرصة جيدة لمضاعفة أموالهم، ومن هنا عمدوا إلى إذكاء نيران الخلافات والوصول إلى المجابهات بالنار والبارود.
من القديم إلى الحديث ، نجد الحروب وكأنها باتت بدورها مربحة للغاية بالنسبة للبنوك المركزية ، وصارت الأمور تمضي كما كان الحال بالأمس ، بمعنى أنه يتعين على الحكومات في أوقات الحروب أن تقترض مبالغ كبيرة إلى هائلة من المصارف المركزية ، ليتم ردها لاحقا مع الفائدة التي تحصلها الحكومات من خلال ضريبة الدخل .
هنا تزعم الكثير من النظريات ، وبعضها حقيقي بالفعل ، وإن أعتبره البعض الآخر نوع من أنواع حديث المؤامرة، أن العديد من النظم المصرفية المركزية حول العالم ، وفي مقدمها مجلس الإحتياطي الإتحادي ، مملوكة سرا من قبل المصرفيين الدوليين الذين يفهمون الفوائد الإقتصادية للحروب ، وبالتالي يقومون بالتلاعب بالرأي العام العالمي وتخليق أعداء وهميين ، سواء كان هذا العدو هو مملكة الشر كما جرى تصوير الإتحاد السوفيتي ، طوال سنوات الحرب الباردة، أو الإرهاب الإسلاموي، والذي أمتد العقود الثلاثة الماضية كبديل بعد سقوط الشيوعية ، وربما يظهر الآن في شكل الحديث عن أزمة المناخ العالمي ، وجميع هذه الذرائع تستغل بنوع خاص من أجل تعظيم مشروعات الحروب .
يدرك صناع الحروب أن ” الثروة تعتمد على الموارد واستغلالها “، ومن هنا يمكن فهم كيف عملت الإمبراطوريات الأوروبية القديمة طوال خمسمائة عام تقريبا ، على الإستيلاء على موارد العالم من خلال الإستعمار القائم على الحروب والغزوات العسكرية .
هل كانت واشنطن بعيدة عن هذه التفكير الفوقي الإميرالي ؟
بالقطع لا ، فقد أكتسبت خبرة مبتكرة في الإستيلاء على الأرض وخيراتها من خلال تجريد الاميركيين الأصليين من ممتلكاتهم عبر الحروب والإستيلاء على اراضيهم للتنقيب عن الذهب والفضة ، وكلاهما يعدان ركيزتين أساسيتين في أعمال البنوك والمصارف .
من هنا يمكن القطع بأن المجمعات الصناعية العسكرية ،أميركية أو أوروبية وربما آسيوية ، باتت له مهمة واضحة وهي حماية المصالح الخارجية للبنوك الكبرى وصناديق الاستثمار والتحوط، والشركات المتعددة الجنسيات ، بل إننا نجد في الداخل الأميركي ، أن أكبر شركة دفاع ، ” لوكهيد مارتن “، مملوكة إلى حد كبير لثلاثة صناديق تحوط عملاقة ” ستيت ستريت “، و ” فانغارد”، و ” بلاك روك “.
هل هناك أياد خفية لعبت وتلعب أدورا واضحة في إشعال الحروب حول العالم ؟ الى قراءة مكملة .

 

عن سيد العادلى

شاهد أيضاً

وفد حماس في مصر.. و”تقدم ملحوظ” في مفاوضات الهدنة

وكالات- المراقب أكد مصدر مصري رفيع المستوى، السبت، أن المفاوضات التي تستضيفها القاهرة لإقرار اتفاق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *