أخبار عاجلة

المانيا والنازية.. عود على بدء.. دراسة

أرشيفية

المراقب: وحدة الأبحاث

ربما ينبغي الإشارة بداية إلى أن إشكالية العنصرية في الداخل الألماني لم تغب أبدا عن جوهر المكون الألماني ، ربما تكون قد توارت بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، لكن العسف والخسف بكل ما له صلة بالنازية، وبخاصة بعد محاكمات نورمبرج، قد جعلها ساكنة في القلوب والعقول منتظرة أن تحين الفرصة لتستعلن من جديد .
والشاهد أنه حين نتحدث عن أسباب نشوء وأرتقاء النازية في مهدها الألماني، فالأمر يعود بنا اليوم إلى قرابة قرن كامل ، سيما أن البعض يرى أنها نتاج طبيعي لما تعرض له الألمان من إذلال وإجحاف بعد الحرب العالمية الأولى، والإتفاقيات التي رأوها ظالمة، وأثارها الكارثية التي أمتدت جهتهم بشرا وحجرا .
لاحقا ومع ثمانينات القرن المنصرم، كانت إرهاصات عودة النازية تختفي وراء ملامح مغايرة، جلها يتمثل في معاداة الأجانب الذين قدموا إلى البلاد ، هناك حيث خسائر الحرب الكبرى أعوزت ألمانيا أيدي عاملة، ما دعا لفتح أبواب الهجرة للأتراك تارة، ولسكان شمال إفريقيا تارة أخرى.
ثم جاءت موجة أخرى عاتية من الهجرات من بلاد الشرق الأوسط، لا سيما من سوريا والعراق ، ثم من قلب إفريقيا ، في أوائل العقد الثاني من القرن الحالي ، قادت بدورها إلى حركات يمينية المانية لها ذات الرؤية القديمة، وإن حملت اسماء معاصرة .
أعطت هذه التغيرات الديموغرافي في بنية المانيا السكانية ، مفاتيح العمل غير الخلاق لجماعات التطرف الألماني المختلفة اسماؤها وأعضاؤها مثل ” بغيدا ” ومن لف لفها ، وبدا وكأن ألمانيا امام قصة مغايرة من قصص العنصرية التي لا تضيف الإ المزيد من الإنهيار الإنساني والمخاوف الأمنية الحياتية .
هل “الأكزنوفوبيا ” هي السبب؟
تعني الأكزنوفوبيا ، رهاب الأجانب ، أي الخوف من التقلبات الديموغرافية التي يمكن أن تجري بها المقادير، وقد وجد هذا الفكر رواجا كبيرا، بعد أن دعمه كتاب ومفكرين من نوعية الفرنسي ” ربنو كامو “، الذي أنذر وحذر الأوربيين من أن شعوبا أخرى، من خلفيات عقدية مغايرة، تسعى لإحتلال اوروبا واستبدال شعوبها بشعوب أخرى .
هل كان الخوف من الأجانب هو أحد اسباب صعود النازية مرة أخرى في الداخل الألماني ؟
تقودنا استطلاعات الرأي في هذا السياق ، فعلى سبيل المثال نجد في استطلاع رأي أجرته كاكعة ” لاينبرغ ” الألمانية منذ أربع سنوات ، أن ثلث الألمان يؤيدون شعارات الحقد على الأجانب واللاجئين ، وارتفعت هذه النسبة إلى النصف في شرق ألمانيا ، أما ردود الأستفتاء فقد بينت كيف أن الخوف من العناصر غير الالمانية ، قد أنتشر منذ سنوات وأن نسبة عالية من الالمان تطالب بفرض الدور الريادي الثقافي لألمانيا ذات الصبغة والهوية المسيحية بالقوة لو أمكن .
عطفا على ذلك بين استطلاع الرأي عينه أن 50% من الألمان يشعرون بأن بلادهم باتت تزدحم بالأجانب وبأنهم يخشون على المجتمع الألماني من تفكك نسيجه المجتمعي .
هل المشهد النازي الألماني آخذ في التصاعد مرة وإلى ما شاء الله ؟
يكاد يكون ذلك كذلك، إذ تبدو ألمانيا اليوم قلقة ومضطربة من جراء ما يحدث فيها سواء داخل مؤسساتها المدنية ، أو على صعيد ما هو موصول بأوضاعها الأمنية الداخلية ، فعلى سبيل المثال بدأت جماعات اليمين المتطرف في تشكيل مجموعات للدفاع الذاتي في بعض مدن ولاية بافاريا ، مجموعات تتخذ مما تسميه ” أخطار المهاجرين ” تكئة لإعادة بلورة مجموعات ذات ميول عنصرية نازية، وقد تم نشر صور للمجموعات هذه على وسائط التواصل الإجتماعي ، ظهر فيها عدد من أعضاء تلك المجموعات من ” الحزب الوطني الديمقراطي اليميني المتطرف ” ، يرتدون سترات حمراء واقية عليها شعار الحزب، وبدأت هذه المجموعات في تسيير دوريات في الأماكن التي وقعت فيها الإعتداءات قبل أحتفالات الألمان عامة، ومناسبات مثل رأس السنة خاصة …ماذا يعني ذلك ؟
بإختصار غير مخل ، يفيد بأن المانيا أمام حالة من التمدد والتوسع غير المسبوقين حديثا لجماعات النازية المحدثة، سيما في ظل تكاثر عدد مؤيدي حزب ” البديل من أجل ألمانيا” من جهة ، ومريدي جماعة “بغيدا” من جانب أخر، وبخاصة في ظل تقديم نفسيهما وتابعيهما بوصفهما مجموعات الدفاع الذاتي التي تحافظ على الأمن والأمان ، في حين أنهما في واقع الحال يرسخان من جذور التطرف وصعود الراديكالية داخل البلاد .
على أن علامة الاستفهام المثيرة اليوم لقلق الألمان عامة: ” هل هذه التيارات تشكل خطرا على الأجانب والمسلمين واليهود فقط، أم أنها تكاد تهدد النظام الديمقراطي الالماني واستقرار الحكم في البلاد؟
الجواب على علامة الاستفهام المتقدمة يتطلب نوعا من البحث المعمق بداية عن ملامح ومعالم تلك الجماعة المعروفة باسم ” مواطنو الرابخ “، والتي هي بغير إختصار مخل، تنظبم متطرف وعنيف لا يعترف بدولة المانيا الديمقراطية .
يؤمن أعضاء التنظيم بأن الدولة الألمانية بواقعها المعاصر، ليست إلا بناء إداري لاتزال القوى الغربية تحتله ، أما تلك القوى فهي الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا ، والمملكة المتحدة وفرنسا .
يعني هذا المفهوم أن المانيا لا تزال تحت حكم التقسيم أو الإنتداب الذي صارت إليه الأمور بعد هزيمة الرايخ الثالث عام 1945 وإنكسار الفوهور وجنوده .
من هذا المنطلق يؤمن أعضاء ” مواطنو الرايخ ” بأن حدود المانيا الإمبراطورية لاتزال قائمة كما كانت في العام 1937، وأن جذور الرايخ التي تأسست وتأصلت العام 1871 ينبغي أن تكون هي بعينها المحدد الرئيس لتوجهات ألمانيا جغرافيا وديموغرافيا .
خطوة مواطنو الرايخ أنهم لا يتكلمون أو ينظرون فحسبن بل يسعون في طريق إنجاز خطوات حقيقية على الأرض تعزز الإنقسام والتشظي، سعيا لبلوغ روح الرايخ الرابع .
الحركة تتكون من مجموعات صغيرة ، تقع بشكل أساسي في ولايات براندنبورغ ومكلنبورغ وبافاريا ، ويرفض عناصرها دفع الضرائب ، وكانوا سابقا قد أعلنوا عما يسمى ” اقاليمهم الوطنية ” الخاصة بهم ، والتي يطلقون عليها اسم ” الإمبراطورية الألمانية الثانية “، أو ” دولة بروسيا الحرة ” أو إمارة جرمانيا، وكلها اسماء تحمل دلالات على النوستالجيا والحنين للعودة إلى الماضي من مائة إلى مائة وخمسين عاما، حتى لو تطلب الأمر سعيا إلى تفتيت الدولة الألمانية بصورتها المعاصرة .
وإلى أبعد من ذلك، فإن مواطنو الرايخ مضوا في طباعة جوازات سفر خاصة بهم ، ورخص قيادة لأنفسهم .
هل رقم أعضاء الجماعة يدعو للخوف حال التنامي في قادم الأيام ؟
بحسب وكالة الأستخبارات المحلية الألمانية، ” مكتب حماية الدستور “، يبلغ عدد هولاء نحو 21 ألف عضو ، يصنف 5% منهم على أنهم متطرفون يمينيون معظمهم من الذكور ، في المتوسط تزيد أعمارهم عن 50 عاما وينسبون على الايديولوجيات اليمينة الشعبوية والمعادية للسامية والنازية وينتشرون في جميع أنحاء البلاد .
والمؤكد أنه من رحم مواطنو الرايخ، وكما الحال مع كل الجماعات التي تؤمن بفكر ” ملكية الحقيقة المطلقة، تتفرخ جماعات أصولية مغايرة أصغر عددا، لكن عادة ما تكون أكثر عدائية ، وهذا ما تم إكتشافه بالفعل من خلال القبض على مجموعة يمينية تسمى ” وطنيون متحدون ” في إبريل 2022التي خططت لإختطاف وزير الصحة الفيدرالي “كارل لوترباخ” واجبار الحكومة الألمانية على الإستقالة بالقوة.

عن سيد العادلى

شاهد أيضاً

عواصف سياسية بسبب سياسة بايدن.. استقالات واحتجاجات تضرب أمريكا

متابعات- خارجي تواصل حكومة الاحتلال الصهيوني هجومها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2024، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *